سعود الراشد
18-06-07, 12:05 AM
http://www.alrahalat.com/vb/uploaded/294_11213099363.gif
ظهر الأنباط على الارجح في القرن الرابع قبل الميلاد في منطقة نهر شرق الاردن، وفي القرن الثاني قبل الميلاد أصبح الانباط يشكلون مملكة، وكان ملكهم الاول هو الحرث أو الحارث الاول حوالي "169 ق.م" وامتد نفوذ المملكة شمالا حتى اطراف دمشق كما احتلت منطقة واسعة تصل الى أجزاء من سيناء وصحراء النقب. كانت حياتها تعتمد على تجارة القوافل التي تنقل البضائع من دمشق الى الجزيرة العربية والخليج وبالعكس.
سكان مملكة الانباط خليط من الادوميين والاراميين والعرب. وكانت لغتهم المحلية خليطا من الارامية والعربية، لكنهم كانوا يتعاملون مع العالم الخارجي والتجارة ويكتبون باللغة الارامية.
http://www.alrahalat.com/vb/uploaded/294_1182114022.jpg
كانت المدينة الرئيسة أو العاصمة تدعى سلع أي الحجر ووردت في الكتاب المقدس باسم سيلع. وكانت سلع تحتكر تجارة الأقمشة الدمشقية وتجارة المر والتوابل والعطور التي تأتي من الهند عبر منطقة الخليج وميشان. وقيل ان مدينة سلع قد أطلق عليها اسم "ركيمي" أي انها مؤلفة من صخور متراكمة، ويرجح احد الباحثين وهو الدكتور خالد علي اسماعيل بانها هي المقصودة بموضع "الرقيم".(1)
أول ذكر للأنباط كان لدى المؤرخ ديودور الصقلي الذي وصف مقاومة المقاتلين النبطيين المؤلفين من عشرة آلاف مقاتل لجيش القائد اليوناني "انتيكون" وذلك سنة 312 ق.م لمنعهم من السيطرة على مدينة سلع. وكان الملك النبطي الحرث "الحارث" الثالث "فيلهلين" 87-62 ق.م قد فتح دمشق سنة 85 ق.م التي كانت تشكل مملكة آرامية. وظلت دمشق تحت سيطرة النبطيين حتى نهاية آخر ملك نبطي وجدت نقوشه في منطقة "ضُمير" على بعد 40 كم شرق دمشق يرجع تاريخ النقش الى عام 94 م. وقد عاش في تلك الفترة القديس بولس لمدة 40 سنة تقريبا حيث كان قد القي القبض عليه وهو يهدي الناس للمسيحية وسجن لفترة تحت رحمة نائب الملك حارثة النبطي، لكن القديس بولس استطاع بمعاونة أتباعه الفرار من السجن الى مدينة افسس.
وقد تطورت اللهجة النبطية الى لغة توضحت في كتابات نقشت أو حفرت على أحجار أو على شواهد للقبور خلال القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن الخامس الميلادي. وكانت تلك اللغة تشبه الارامية أو بالاحرى السريانية، اما الخط النبطي فهو مشتق من الخط الارامي.
وقد اثرت الارامية ومن بعدها اللغة السريانية على ثقافة ولغة النبطيين وعلى تكوين المادة اللغوية العربية في شمال الجزيرة كما يتضح لنا من الخط النبطي وتأثيره على تكوين الخط العربي. وهناك العديد من النقوش أو بالاحرى كتابات منقوشة على احجار تؤشر لنا كيف تطورت اللغة النبطية والعامية الارامية أي السريانية، وقد تداخلت التراكيب اللغوية العربية حتى امكن تحويلها مع الزمن الى كلمات وحروف عربية بخط يشبه اولا الخط السرياني ثم يقترب تدريجيا من الخط العربي غير المنقوط والمدغم في بعض حروفه والخالي من الحركات مما يشبه الخط المسند السبئي، كما يتضح لنا من نقش "النمارة" المحفور على قبر امرؤ القيس بن عمرو ملك العرب والمؤرخ سنة 223 م، ونقش "زيد" الذي يقرأ: (باسم الاله شرحو برمع مع قيمو برمر القس وشرحو بر سعدو وسترو و"شريحو" بتميمي- والكلمة الاخيرة كتبت بالسريانية). (2)
ومن الجدير بالذكر ان معظم المؤرخين العرب خلطوا في تواريخهم بين النبط والسريان، منه وصف المؤرخ الطبري للحديث الذي دار بين اهالي الحيرة والقائد خالد بن الوليد وبني اهالي كشكر ووالي العراق. ومنه قول المؤرخ المسعودي في "التنبيه والاشراف" ان الأنباط هم السريان. أما المؤرخ الاندلسي صاعد بن احمد فيصف الكلدانيين فيقول انهم السريان والبابليين وكان منهم اهل الكوثا.
ظلت سلع صامدة ضد هجمات الجيش اليوناني ومن ثم الجيش الروماني، مع سعيها الى جعل علاقاتها طيبة مع الرومان، الى ان قرر الامبراطور تراجانوس "تراجان" 98-117 م ان يضم مملكة الانباط الى ايالة الجزيرة الرومانية، فأوكل المهمة الى القائد "كورنيليوس بالما" الذي استطاع ان يفتح عاصة الانباط عام 106 م وأبدل اسمها الى پيترا Petra أي الصخرة باليونانية، لان الولوج الى المدينة يجري عن طريق ممر صخري ضيق سمي بالسيق وهو تعبير سرياني يعني الشق او المدخل الضيق.
وقد بنى الرومان في المدينة مسرحا كبيرا امام ما كان مشيدا من معبد كبير فوق مرتفع يتسم بالطابع الكنعاني ويحتوي على مذبح ومسلّة تقوم في مدخل المعبد. وقد اهتم ملوكها وعلية القوم في بطرا او بترا ببناء قبورهم في داخل صخورها الرملية الحمراء وزينوا أعاليها بأعمدة ونقوش متأثرة بالفن الهلنسني أي اليوناني- الروماني- الشرقي ومن بينها ما يسمى اليوم بـ "الخزنة"!.
وقد ضعفت مكانة الانباط وعاصمتها بترا كمركز رئيس لتجارة القوافل في الهلال الخصيب والجزيرة بعد ان اكمل الرومان تعبيد طريق صحراوي يمتد من دمشق الى بصرا وهو استمرار لم يسمَّ بالطريق الروماني Roman Strada الذي كان يمتد من بصرا الى اطراف الجزيرة بعيدا عن بترا. وشيد الرومان مباني في بصرا، واعتبرت مركزا للتجارة مع الجزيرة والخليج وميشان والهند. واضطر النبطيون الى الاهتمام بالرعي والزراعة الموسمية والاعتماد على منافع الارض المنخفضة وعلى بناء السدود. وهكذا تدريجيا اهملت بترا من الناحيتين التجارية والسياسية. اما الرومان فجعلوا المدينة الرئيسة في بلاد الانباط فيلادلفيا "عمان" التي بنيت على انقاض مدينة "ربّة عمون" الكنعانية، وبنوا كذلك مدينة كيراسا "جرش" وغيرها والتي تقع حاليا ضمن المملكة الاردنية الهاشمية. (3)
انتشرت المسيحية في بلاد الانباط منذ القرن الرابع الميلادي وبنيت في مدنهم الرئيسة بترا وفيلادلفيا وجرش والكرك وغيرها كنائس واديرة من بينها دير بترا الذي لا تزال آثاره ماثلة حتى اليوم بالاضافة الى الآثار التي وجدت على سفح جبل نابو حيث دفن فيه النبي موسى, وقد وجد في مأدبا القريبة من جبل نابو آثار كنيسة رومانية بنيت في عام 531 م وقد أعيد بناؤها بعد قرن من الزمن، ولا يزال يظهر للعيان جدارها الرئيس الذي يحتوي على ثلاث صور دينية منقوشة بالموزاييك، الى جانب آثار لدير قديم يجاورها.
منقول
المصادر
(1) خالد اسماعيل علي "مدينة ركيمي او الرقيم" بغداد، 1996.
(2)ولفنسون، اسرائيل. تاريخ اللغات السامية. بيروت: دار القلم، د. ت. "ص172-173".
(3) جونز، ارنولد. مدن بلاد الشام أو مدن الولايات الرومانية الشرقية، ترجمة احسان عباس. عمان: دار الشروق، 1987.
ظهر الأنباط على الارجح في القرن الرابع قبل الميلاد في منطقة نهر شرق الاردن، وفي القرن الثاني قبل الميلاد أصبح الانباط يشكلون مملكة، وكان ملكهم الاول هو الحرث أو الحارث الاول حوالي "169 ق.م" وامتد نفوذ المملكة شمالا حتى اطراف دمشق كما احتلت منطقة واسعة تصل الى أجزاء من سيناء وصحراء النقب. كانت حياتها تعتمد على تجارة القوافل التي تنقل البضائع من دمشق الى الجزيرة العربية والخليج وبالعكس.
سكان مملكة الانباط خليط من الادوميين والاراميين والعرب. وكانت لغتهم المحلية خليطا من الارامية والعربية، لكنهم كانوا يتعاملون مع العالم الخارجي والتجارة ويكتبون باللغة الارامية.
http://www.alrahalat.com/vb/uploaded/294_1182114022.jpg
كانت المدينة الرئيسة أو العاصمة تدعى سلع أي الحجر ووردت في الكتاب المقدس باسم سيلع. وكانت سلع تحتكر تجارة الأقمشة الدمشقية وتجارة المر والتوابل والعطور التي تأتي من الهند عبر منطقة الخليج وميشان. وقيل ان مدينة سلع قد أطلق عليها اسم "ركيمي" أي انها مؤلفة من صخور متراكمة، ويرجح احد الباحثين وهو الدكتور خالد علي اسماعيل بانها هي المقصودة بموضع "الرقيم".(1)
أول ذكر للأنباط كان لدى المؤرخ ديودور الصقلي الذي وصف مقاومة المقاتلين النبطيين المؤلفين من عشرة آلاف مقاتل لجيش القائد اليوناني "انتيكون" وذلك سنة 312 ق.م لمنعهم من السيطرة على مدينة سلع. وكان الملك النبطي الحرث "الحارث" الثالث "فيلهلين" 87-62 ق.م قد فتح دمشق سنة 85 ق.م التي كانت تشكل مملكة آرامية. وظلت دمشق تحت سيطرة النبطيين حتى نهاية آخر ملك نبطي وجدت نقوشه في منطقة "ضُمير" على بعد 40 كم شرق دمشق يرجع تاريخ النقش الى عام 94 م. وقد عاش في تلك الفترة القديس بولس لمدة 40 سنة تقريبا حيث كان قد القي القبض عليه وهو يهدي الناس للمسيحية وسجن لفترة تحت رحمة نائب الملك حارثة النبطي، لكن القديس بولس استطاع بمعاونة أتباعه الفرار من السجن الى مدينة افسس.
وقد تطورت اللهجة النبطية الى لغة توضحت في كتابات نقشت أو حفرت على أحجار أو على شواهد للقبور خلال القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن الخامس الميلادي. وكانت تلك اللغة تشبه الارامية أو بالاحرى السريانية، اما الخط النبطي فهو مشتق من الخط الارامي.
وقد اثرت الارامية ومن بعدها اللغة السريانية على ثقافة ولغة النبطيين وعلى تكوين المادة اللغوية العربية في شمال الجزيرة كما يتضح لنا من الخط النبطي وتأثيره على تكوين الخط العربي. وهناك العديد من النقوش أو بالاحرى كتابات منقوشة على احجار تؤشر لنا كيف تطورت اللغة النبطية والعامية الارامية أي السريانية، وقد تداخلت التراكيب اللغوية العربية حتى امكن تحويلها مع الزمن الى كلمات وحروف عربية بخط يشبه اولا الخط السرياني ثم يقترب تدريجيا من الخط العربي غير المنقوط والمدغم في بعض حروفه والخالي من الحركات مما يشبه الخط المسند السبئي، كما يتضح لنا من نقش "النمارة" المحفور على قبر امرؤ القيس بن عمرو ملك العرب والمؤرخ سنة 223 م، ونقش "زيد" الذي يقرأ: (باسم الاله شرحو برمع مع قيمو برمر القس وشرحو بر سعدو وسترو و"شريحو" بتميمي- والكلمة الاخيرة كتبت بالسريانية). (2)
ومن الجدير بالذكر ان معظم المؤرخين العرب خلطوا في تواريخهم بين النبط والسريان، منه وصف المؤرخ الطبري للحديث الذي دار بين اهالي الحيرة والقائد خالد بن الوليد وبني اهالي كشكر ووالي العراق. ومنه قول المؤرخ المسعودي في "التنبيه والاشراف" ان الأنباط هم السريان. أما المؤرخ الاندلسي صاعد بن احمد فيصف الكلدانيين فيقول انهم السريان والبابليين وكان منهم اهل الكوثا.
ظلت سلع صامدة ضد هجمات الجيش اليوناني ومن ثم الجيش الروماني، مع سعيها الى جعل علاقاتها طيبة مع الرومان، الى ان قرر الامبراطور تراجانوس "تراجان" 98-117 م ان يضم مملكة الانباط الى ايالة الجزيرة الرومانية، فأوكل المهمة الى القائد "كورنيليوس بالما" الذي استطاع ان يفتح عاصة الانباط عام 106 م وأبدل اسمها الى پيترا Petra أي الصخرة باليونانية، لان الولوج الى المدينة يجري عن طريق ممر صخري ضيق سمي بالسيق وهو تعبير سرياني يعني الشق او المدخل الضيق.
وقد بنى الرومان في المدينة مسرحا كبيرا امام ما كان مشيدا من معبد كبير فوق مرتفع يتسم بالطابع الكنعاني ويحتوي على مذبح ومسلّة تقوم في مدخل المعبد. وقد اهتم ملوكها وعلية القوم في بطرا او بترا ببناء قبورهم في داخل صخورها الرملية الحمراء وزينوا أعاليها بأعمدة ونقوش متأثرة بالفن الهلنسني أي اليوناني- الروماني- الشرقي ومن بينها ما يسمى اليوم بـ "الخزنة"!.
وقد ضعفت مكانة الانباط وعاصمتها بترا كمركز رئيس لتجارة القوافل في الهلال الخصيب والجزيرة بعد ان اكمل الرومان تعبيد طريق صحراوي يمتد من دمشق الى بصرا وهو استمرار لم يسمَّ بالطريق الروماني Roman Strada الذي كان يمتد من بصرا الى اطراف الجزيرة بعيدا عن بترا. وشيد الرومان مباني في بصرا، واعتبرت مركزا للتجارة مع الجزيرة والخليج وميشان والهند. واضطر النبطيون الى الاهتمام بالرعي والزراعة الموسمية والاعتماد على منافع الارض المنخفضة وعلى بناء السدود. وهكذا تدريجيا اهملت بترا من الناحيتين التجارية والسياسية. اما الرومان فجعلوا المدينة الرئيسة في بلاد الانباط فيلادلفيا "عمان" التي بنيت على انقاض مدينة "ربّة عمون" الكنعانية، وبنوا كذلك مدينة كيراسا "جرش" وغيرها والتي تقع حاليا ضمن المملكة الاردنية الهاشمية. (3)
انتشرت المسيحية في بلاد الانباط منذ القرن الرابع الميلادي وبنيت في مدنهم الرئيسة بترا وفيلادلفيا وجرش والكرك وغيرها كنائس واديرة من بينها دير بترا الذي لا تزال آثاره ماثلة حتى اليوم بالاضافة الى الآثار التي وجدت على سفح جبل نابو حيث دفن فيه النبي موسى, وقد وجد في مأدبا القريبة من جبل نابو آثار كنيسة رومانية بنيت في عام 531 م وقد أعيد بناؤها بعد قرن من الزمن، ولا يزال يظهر للعيان جدارها الرئيس الذي يحتوي على ثلاث صور دينية منقوشة بالموزاييك، الى جانب آثار لدير قديم يجاورها.
منقول
المصادر
(1) خالد اسماعيل علي "مدينة ركيمي او الرقيم" بغداد، 1996.
(2)ولفنسون، اسرائيل. تاريخ اللغات السامية. بيروت: دار القلم، د. ت. "ص172-173".
(3) جونز، ارنولد. مدن بلاد الشام أو مدن الولايات الرومانية الشرقية، ترجمة احسان عباس. عمان: دار الشروق، 1987.